عماد عفانة البطل الفلسطينى

من طرف **هو فى ايه** السبت يوليو 25, 2009 8:47 am

عماد عفانة

كان الجو مفعما بالحرارة رغم أننا كنا في فصل الشتاء، وكان الهواء مشبعا بدخان الإطارات المشتعلة، وكانت تخترق الصمت بين الفينة والأخرى أصوات الطلقات هنا وهناك، بينما كنت استقل دراجتي الهوائية عبر أحد الشوارع الرئيسة للمخيم من صباح يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 1993م، متجها نحو مكتب النهار للتوثيق والإعلام الذي كنت اعمل فيه. ورغم أن الشارع كان يبدوا للناظر انه فارغ إلا أنه كان يعج بأبطال الحجارة الذين كانوا ينصبون كمينا لأحد دوريات العدو التي ترابط على مدخل المخيم وتستعد لاقتحامه بعد التصعيد الذي شهدته شوارع مدننا ومخيماتنا اثر انتشار خبر اغتيال الشهيد عماد عقل. وما إن اقتربت من الدورية التي ترجل جنودها فور رؤيتي حتى ترجلت عن الدراجة وسرت نحوهم بينما ارتفعت وتيرة دقات قلبي، فبادرني الجندي: "وكف عندك، هات هوية" ، فأخذ الهوية وبدأ يتفحصها بينما سألني جندي آخر، شو اسمك فقلت له : عماد، وما إن سمع الجنود الاسم حتى ارتفعت ضحكاتهم بصوت عال وأخذوا يقهقهون وهم يضربون كفا بكف، ثم قال احدهم: "خلاص مفيش عماد كتلنا عماد" ثم عاد للضحك مرة أخرى.
[وأعطاني الهوية وركبت دراجتي غير مصدق أني لم اعتقل ولم أتعرض للضرب حتى كما هي العادة. ]وما ان انطلقت مسرعا حيث لم ابتعد كثيرا حتى انهالت الحجارة على دورية العدو كالمطر، ربما لتقول لهم أنكم تحلمون أنكم قتلتم عماد، وان شعبنا الفلسطيني كله عماد، وان المقاومة التي قادها عماد سنكمل مشوارها، وأننا كمقاومين لا نموت، بل بقتلنا نحيا في الخالدين، وأنكم أعداؤنا تموتون في كل يوم وكل دقيقة وكل لحظة إن لم يكن برصاصنا فبخوفكم ورعبكم من حجارتنا.
[ذا المشهد الذي رسمته لكم مر أمام عيني كالطيف الجميل وأنا أشاهد فيلم عماد عقل الأسبوع الماضي، هذا الفيلم الذي ترك العديد من الدلالات والإشارات الهامة نذكر بعضا منها:

]أنه الفيلم الأول من نوعه الذي ينتج داخل فلسطين المحتلة ويحمل اسم الرجل الذي أطلق عليه العدو اسم "ذو السبعة أرواح".
أنه الفيلم الأول الذي يلقي الضوء على تاريخ تحول الانتفاضة من الحجر إلى المقاومة المسلحة.
أنه الفيلم الأول الذي يكتب السيناريو له رجل هو جزء من تاريخ تلك المرحلة ، و احد القادة التاريخيين لهذه المرحلة الذين عايشوها وصنعوا كثيرا من فصولها وهو القائد الدكتور محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحماس وأحد قادتها المؤسسين.
أنه الفيلم الأول الذي يؤرخ لحياة رجل جعل رئيس وزراء دولة العدو " رابين" يتمنى أن يستيقظ ليجد غزة قد ابتلعها البحر ، بعد أن أصبح عماد كابوسا يطارد العدو في أحلامهم وجعلهم يطلقون عليه ذو السبعة أرواح. أنه الفيلم الأول الذي يصور كيف انتقل عماد عقل بحماس كحركة مقاومة نقلة نوعية جعلها تنافس بل وتتفوق على اعرق حركات المقاومة الفلسطينية وضع حماس في صدارة العمل العسكري المقاوم
أنه الفيلم الأول في قطاع غزة الذي ينتج خلال الحصار، لتكتمل بذلك برونجية الإبداع، فمجرد إنتاج الفلم في ظل هذا الحصار الجائر عن هذه الأسطورة المقاومة الذي أقضت مضاجع العدو هو بحد ذاته صفعة جديدة وكبيرة لهذا العدو، وستكون بإذن الله نقلة نوعية ستخلق واقعا جديدا في الفن والسينما الفلسطينية التي اكتفت حتى الآن بعرض ما ينتجه الآخرون لتجبر الآخرين على نقل إبداعات السينما الفلسطينية، السينما الواقعية الحقيقية التي تنتج أفلام (أكشن) عن حياة وجهاد أبطال حقيقيين تركوا بصمتهم في تاريخ شعبنا الفلسطيني أنه الفيلم الأول الذي يترك انطباعا لدى كل من شاهده أن هناك وجها آخر للفن الملتزم، فقد نجح الفلم على بساطته في رسم عدد من اللوحات المتداخلة بدءا بالتعاطف الوجداني إلى انسكاب الدموع دون استئذان إلى قليل من الضحكات ثم الخوف المغموس بالترقب والإثارة، فقد بدأ الفيلم ببث مشاعر الغضب على العدو وطريقة تعامله مع شعبنا الفلسطيني عبر تصوير مشهد ميلاد عماد عقل، وانتهى بالغضب والحزن الشديد عبر مشهد اغتيال عماد عقل أنه الفيلم الأول الذي ينجح في تدشين ميدان جديد من ميادين المعركة مع العدو وهو ميدان السينما التي كانت وما زالت حكرا على اللوبي الصهيوني الذي يسيطر هوليوود وعلى أفلامها التي تشوه كل يتعلق ويمت للإسلام وللمقاومة بصلة، ما جعل الصحف العبرية تطلق على حماس بعد الفلم (حماس وود) . من المتوقع ان ينجح الفلم في تشجيع الكثير من المستثمرين – إن لم يكن بدافع الوطنية فبدافع الربح- إلى إنتاج مزيد من أفلام الأكشن عن المقاومة الفلسطينية وأبطالها، حيث ستجد الروايات الفلسطينية المكتوبة والتي تجسد حياة هؤلاء الأبطال طريقها نحو السينما العربية ان لم تكن العالمية، وسيدفع الكتاب الى كتابة مزيد من هذه القصص المشرفة
ولا نغفل الدلالات التي يتركها حضور رموز المقاومة والحكم في غزة لحفل افتتاح 12للفلم ليدل دلالة واضحة على إصرارهم على تبني هذا النهج وعلى تخليد ذكرى هؤلاء الأبطال الذين يصنعون تاريخ ومجد هذه الأمة بدمائهم وتضحياتهم، وليس أولئك الذين يطلقون عليهم اسم الأبطال زورا وبهتانا من الذين تصنعهم بريق الكاميرات وليس الرصاصات.
وأخيرا يقول الفلم إن إسلامنا وديننا هو دين شامل لكل مناحي الحياة، ولن يترك أبناء الإسلام في كل مكان مجال من مجالات الحياة إلا وسيقتحمونه بإبداعاتهم ليقدموا للعالم كل ما هو مختلف وملتزم ومؤثر، وكل ما يخلد كل ما هو مشرف، وأن مقاومتنا للظلم لن تقتصر على البندقية والقلم والكلمة بل سنقاوم ونقاوم ولو بأظفارنا.